• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

كـن إعـلامياً متخصصـاً

جلال فرحي

كـن إعـلامياً متخصصـاً

- مدخل:

يلعب البحث والاطلاع سواء في حدود الاختصاص أو خارج حدوده دوراً هاماً في تنمية ثقافة الإعلامي، والبحث والاطلاع والقراءة في مختلف المجالات هام جداً في تنمية قدراته المعرفية والثقافية، لأنّه واقعياً لا يمكن للإعلامي أن يحقق النجاح ما لم تكن لديه رغبة في تنمية معارفه الجديدة، لذلك ينبغي أن يخصص وقتاً كبيراً للاطلاع على المعلومات الجديدة وأن يكون دائم الاتصال بمراكز المعلومات من كُتُب ودوريات وصُحف ومجلات وقنوات فضائية وإنترنت ووكالات الأنباء، خاصّة وأنّ الوسائل الحديثة كالإنترنت قد زادت من سرعة تناقل المعلومات وجعلت الأمر أسهل مما كان عليه في الماضي. وينبغي أن يكون الإعلامي باحثاً عن المعلومات بشكل يومي ومُطلعاً على جميع المستجدات في جميع الميادين، لأنّ كلّ شيء جديد يتعلّمه يزيد من رصيده المعرفي وثقافته الشخصية.

- التخصص في الإعلام:

أدّى التطوّر العلمي والتقدّم التكنولوجي وانتشار التعليم وزيادة النمو الاجتماعي والاقتصادي، وظهور وكالات الأنباء ومصادر المعلومات المختلفة والتلفزيون والبرامج الإذاعية والأنشطة الصحفية إلى ضرورة التفكير في التخصص في الميدان الإعلامي. وأصبح النجاح في هذا الميدان يُقاس بدرجة مواكبة الاتجاه الحديث نحو التخصص والتنوّع والاحتراف، وقد أصبح التخصص من سمات الإعلام العصري. بمعنى أنّ ارتفاع نسبة التعليم وتنوّع المعارف والتطوّر التكنولوجي المصاحب لكافة المجالات من اقتصاد وسياسة وثقافة وفن وأدب، نتجت عنه اهتمامات خاصّة لدى المتلقي، فقد أصبح الإعلامي مطالباً بأن يعبر عن هذه الاهتمامات الخاصّة والتفاعل مع جوانبها العامّة.

من هنا تظهر الحاجة إلى وجود إعلام متخصص لتلبية احتياجات المتلقي. وعندما نتحدّث عن الإعلام المتخصص، فإنّنا نعني به إعطاء الاهتمام لفرع واحد من فروع التخصصات التي تهم الجمهور أو الاعتناء بجزئية ما أكثر تخصصاً في فرع من فروع المعرفة، والإعلام المتخصص لا يوجه إلى جميع فئات المجتمع، بل إلى نوع معين من الجمهور المهتم بتلك الجزئية أو ذلك الفرع. فالمهم بالنسبة للإعلامي هو أن يكون على دراية واسعة بهذا الفرع من فروع التخصصات ومُطلعاً على كلّ جديد فيه، بحيث أنّ التخصص يقوم على ركيزتين هامتين: أوّلهما المادّة الإعلامية المتخصصة وثانيهما الجمهور المتخصص، وعلى ضوء هاتين الركيزتين نجد أنّ هناك نوعين من الإعلام المتخصص: النوع الأوّل هو الإعلام الذي يقدم مواد متخصصة لفئة متخصصة من الجمهور، ومثاله الإعلام المتخصص في الطب أو الاقتصاد أو الإدارة أو المرأة، أمّا الثاني فهو الإعلام الذي يقدّم مادّة متخصصة لجمهور عام كالإعلام الرياضي والفني وغيره. ولذلك فإنّ الإعلام المتخصص هو إطار شامل لصورة نوعية وهادفة في حلة حديثة ومتطوّرة تمتاز بمحتوى متخصص موجه لمخاطبة جمهور معين، وهذا الإعلام المتخصص لا شك أنّه بحاجة إلى إعلامي متخصص ومتمكن.

وبناءً على ذلك، يجب على الإعلامي المتخصص أن يعرف أنّ مادّته الإعلامية موجهة إلى ثلاث فئات من الجمهور: جمهور مثقف ثقافة متوسطة، وجمهور مثقف ثقافة عالية، وجمهور متخصص.

كما يجب عليه أن يتسم بالجدية والتعمق وأن يكون هادفاً معتمداً بشكل أساسي على الأساليب العلمية باستخدام البحث والتحليل العميق والتفسير والوصول إلى النتائج بناءً على أسباب علمية وعقلية ومنطقية، وأن يركّز على استخدام التحليل والتحقيق والتفسير بشكل مدروس وموضوعي، وأن تكون تحليلاته وتفسيراته مبنية على واقع الاحتياجات الفعلية والمتطلبات الحقيقية لاهتمامات الجماهير والمتلقين بمختلف فئاتهم وأنواعهم وطبقاتهم واهتماماتهم، كون الإعلام المتخصص مرناً ومتجدّداً. وينبغي أن يعلم الإعلامي المتخصص أنّ مادّته الإعلامية موجهة إلى جماهير نوعية متخصصة، ولذلك فإنّ ما تحتويه من دراسات وتحليلات تعدّ مرجعاً يستفاد منه ويتم الرجوع إليه من طرف الجمهور. لهذا يجب أن يكون أميناً وصادقاً ومسؤولاً في تحليلاته ومعالجاته لجميع القضايا.

ولا شك أنّ الإعلامي المتخصص يؤدي وظائف هامة في الإعلام المتخصص، ومن وظائفه أن يعتني بتقديم المعلومات والأخبار الدقيقة والمفصَّلة، وأن يكون قادراً على إغناء المتلقي بالمعرفة بموضوعات محدّدة تهم فئة معينة من الجمهور. ويجب أن يسعى إلى التميز في التوعية والتربية والتثقيف، وإتاحة الفرصة للجمهور للإحاطة بجميع الأبحاث والدراسات والتعرُّف على الجديد من خلال مادّته الإعلامية المتخصصة. كما يجب عليه أن يكون قادراً على خلق تواصل بين العلماء والمتخصصين والباحثين من جهة، وبين المتلقين من جهة أخرى كأن يستضيف مثلاً عالماً من العلماء أو متخصصاً أو باحثاً في ميدان من الميادين العلمية ويضعه وجهاً لوجه مع الجماهير لبحث وتحليل مادّته الإعلامية. كما يجب أن يكون مُطلعاً على الفنون الحديثة والتكنولوجيا المتطوّرة في ميدان الإعلام كأن يطلع على أحدث ما توصلت إليه تقنيات الإخراج التلفزيوني أو الصحفي والأساليب الحديثة في إخراج الصورة للمتلقي بشكل ترغيبي. أمّا المهمّة الرئيسية للإعلامي المتخصص فهي أن يسعى دائماً إلى تحقيق التنمية الشاملة والتأثير الإيجابي بالارتقاء بالمستوى العلمي والثقافي للمتلقي.

أمّا مجالات التخصص المتاحة للإعلامي، فهي عديدة ومتنوّعة، على رأسها الاهتمامات الإنسانية ومخاطبة المتلقي حسب موقعه وحسب مراحله العمرية، وبناءً عليه فإنّ الإعلام المتخصص ينقسم إلى صنفين: إعلام متخصص موجه إلى فئات عمرية، وإعلام متخصص موجه إلى نوع أو جنس معين.

فالإعلامي يجب أن يتخصص في فئة من الفئات العمرية، كأن يوجه مادّته إلى الأطفال أو الشباب أو الكهول أو للمراهقين هذا من الناحية العمرية، أمّا من الناحية النوعية فالإعلامي ملزم باختيار مادّته الإعلامية بمعنى أن يتجه إلى مادّة إعلامية دينية متعلقة بالدِّين والعقيدة وتكون ذات قيمة وتنتشر في مختلف المجتمعات والدول كونها تتوجه باهتماماتها لترسيخ مبادئ الدِّين والقيم والمبادئ الأخلاقية فتقوم بدور التوجيه والتثقيف والإرشاد والتعليم والحث على اتباع الدِّين القويم وانتهاج المسلك السليم بشكل يتلاءم مع مصالح المجتمع.

وقد يتجه الإعلامي المتخصص بمادّته الإعلامية إلى أصحاب المهن والوظائف وتكون ذات قيمة أيضاً، وغالباً ما تقوم بها النقابات المهنية التي ترغب في الدفاع عن حقوق العاملين، والتي ترغب في نشر كلّ المستجدات في هذا المجال، وهنا ينبغي على الإعلامي ألا ينجر وراء المصالح الشخصية لبعض النقابات وأن يكون ناقلاً للواقع من خلال معايشته للقضايا والمشاكل التي يعانيها العاملون والموظفون ونقل الصورة الحقيقية لما يجري على أرض الواقع.

وقد يتوجه الإعلامي المتخصص بمادّته الإعلامية إلى وجهة سياسية، وعادةً ما يكون الإعلامي المتخصص ينشط ضمن حزب سياسي، ويعمل على خدمة الحزب والدفاع عن مبادئه، أو يعمل ضمن جهة رسمية حكومية، أو مركز للأبحاث والدراسات الإعلامية.. فمع تطوّر المجتمعات ونموها وما تشهده من نهضة متعدّدة أصبح دور الإعلام المتخصص في الشأن السياسي ذا ضرورة قصوى وكبيرة، فالمجتمع ينتقل من رحلة بناء المؤسسات التشريعية والمدنية، وهو ما يحتم ضرورة وجود إعلام متخصص في الشأن التشريعي والسياسي، والبعض أصبح يسميه الإعلام البرلماني باعتباره ركيزة مهمّة في مسيرة البناء السياسي والديمقراطي، وقد يكون الإعلامي المتخصص مستقلاً لكن فكره السياسي ينتمي إلى أحد التيارات التي يؤمن بها. وهنا لابدّ للإعلامي أن يحذّر من الوقوع في الصراعات السياسية والمناوشات التي قد تضر به. فهناك صراع أزلي بين الإعلام والسياسة، فالعديد من الإعلاميين والصحفيين في تاريخ الإعلام قتلوا بسبب اتجاههم السياسي أو بسبب معارضتهم لنظام الحكم في بلدانهم، ولذلك ينبغي على الإعلامي أن يكون حذراً في التعامل مع القضايا السياسية، وأن يكون حريصاً على نفسه وعلى مجتمعه من الدخول في صراعات فتّاكة.

وقد يتجه الإعلامي المتخصص بمادّته الإعلامية إلى المجال التجاري والاقتصادي، فيهتم بتغطية الأحداث المتصلة بشؤون الاقتصاد والتجارة ويحاول معالجة القضايا الاقتصادية، وهنا يجب عليه أن يكون واقعياً في معالجته للتفاصيل الاقتصادية، وأن يتناول شؤون المال والأعمال والتجارة والاستثمار بحرص شديد وأن يحيط بالمادّة الإعلامية من جميع الجوانب.

وقد يتجه الإعلامي أيضاً بمادّته الإعلامية إلى الفن والأدب، ولعلّ هذا المجال هو أقدم ما عرفه الإعلام المتخصص، وقد كان في البداية نشاطاً أدبياً ولكن بعدما تطوّرت فنون الأدب وتشعّبت فروعه، وأصبح فيه الشعر والمسرح والموسيقى والفن التشكيلي والرسم والتمثيل أصبحت المؤسسات الإعلامية تهتم به، بل واهتمت به وزارات الإعلام لقدرته الكبيرة في التأثير على الرأي العام.

وقد يتجه الإعلامي بمادّته الإعلامية إلى الحوادث والجرائم والآفات، ويهتم بمعالجة قضايا الحوادث والجرائم والقضايا والمحاكمات وغيرها، وهذا النوع يتميّز بالإثارة والتركيز على الجوانب العاطفية والإنسانية والتهويل في بعض الأحيان، وهنا ينبغي على الإعلامي ألا يبالغ في الإثارة والتهويل، بل يجب أن يعطي مادّته الإعلامية حقّها كما هي دون زيادة أو نقصان. كما يجب عليه تحري الدقة والصدق وعدم اتهام الأشخاص بالجرم دون محاكمة ودون صدور أحكام قطعية وأن يتبع الضوابط المهنية الإعلامية وأخلاقيات المهنة حفاظاً على الآداب العامّة واحتراماً لحقوق الغير.

وقد يتجه الإعلامي بمادّته الإعلامية إلى مجال الأنشطة الفردية والهوايات، وهذا المجال يفيد في تلبية رغبات المهتمين بمجالات الهوايات المختلفة وخاصّة الرياضة والترفيه، وينبغي عليه هنا أن يفهم التخصصات الفرعية في عمله كأن يتخصص في مجال محدد من الرياضة مثلاً. ولا يجعل تفكيره مشتتاً في أكثر من نوع رياضي. فالاطلاع على جميع أنواع الرياضات مطلوب، ولكن الاهتمام بالتخصص مطلب أكبر لأنّ الإعلامي لا يستطيع التفوق والنجاح في كلّ الأنواع الرياضية.

وقد يتجه الإعلامي المتخصص بمادّته الإعلامية إلى الإعلانات، وهنا يجب أن يلم بالسلع والخدمات وأخبار السوق وأن يكون على اطلاع بفنون الإخراج سواءً التلفزيوني إذا كان يعمل في التلفزيون أو بالإخراج الصحفي إذا كان يعمل في الصحافة المكتوبة، ويتطلب العمل في هذا المجال من الإعلامي أن يكون مُلماً بفنون الدعاية والإعلان وأنشطة الترويج وأن يكون متابعاً للأحداث الإعلانية وإعلانات المنافسين.

ومن نماذج الإعلام المتخصص الإعلام النسائي والذي زاد بروزاً بعد ظهور التكنولوجيا الحديثة وتطوّر الإخراج وظهور عدد كبير من القنوات الفضائية المتخصصة في شؤون المرأة، وكذلك الاهتمام الكبير بشؤون الجمال والمكياج في المجلات النسائية، وتنطبق على الإعلام النسائي مقومات وأساليب الإعلام المتخصص فهو موجه لفئة معينة من الجمهور أي أنّ جمهوره متخصص، وهذا يتطلب أن يكون الإعلامي والجهاز التحريري متخصصاً في هذا المجال سواءً من حيث الأُسس الفنية للإخراج أو التحرير أو من ناحية جودة الطباعة، واليوم يوجد كم هائل من القنوات الفضائية والمجلات التي تهتم بشؤون الأزياء والموضة والزينة وهذا دليل على أن الإعلامي يجد جمهوراً متخصصاً واسعاً يمكِّنه من إبراز إبداعاته وابتكاراته في هذا المجال.

وينبغي للإعلامي المتخصص أن يكون مُلماً بمشاكل الصحّة والجمال وأخبار المرأة وعالم حواء ويكون بمثابة مستشار للمتلقين قادراً على الرد على أسئلة الجمهور. فالإعلام النسائي تطوّر بسبب تزايد دور المرأة ومسؤولياتها في المجتمع وخاصّة بعد انتشار الحركات النسائية التي دعت إلى الارتقاء بالمرأة والدفاع عن حقوقها وضرورة حمايتها لدورها الفعّال في المجتمع كأُم وزوجة وربّة بيت وعاملة تؤدي رسالتها في المجتمع، وعلى الإعلامي أيضاً أن يكون قادراً على تلبية احتياجات جمهوره بصورة موضوعية وواقعية وأن يتناول القضايا والمواضيع التي تعود على المرأة والمجتمع بالنفع كموضوعات القيم والمبادئ والأخلاق والتربية وموضوعات تنظيم الأسرة. وينبغي على الإعلامي أن يكتسب خبرة في هذا المجال وأن يخاطب جميع الفئات من جمهوره سواءً المثقفين أو الأشخاص العاديين عن طريق استخدام الأساليب الواضحة والعرض المباشر للأخبار والمعلومات. وأن يركز اهتمامه على الشؤون الخاصّة بالمرأة وأن لا يغفل التخصصات الدقيقة مثل شؤون الزواج والأسرة والمشاكل والقضايا الأسرية مثل الطلاق والعنوسة ومشكلات الأبناء والانحراف.

ومن نماذج الإعلام المتخصص أيضاً الإعلام المتخصص الموجه للشباب، فالشباب دعامة المجتمع وعماد المستقبل ورجال الغد، والإعلامي ينبغي أن يمارس دوره كمربي وموجه ومعلم، وأن يكون مُلماً بكافة القضايا التي تهم الشباب، بل يجب أن يكون واحداً منهم ليعبر عن شعوره بينهم والاستجابة إلى كلّ ما يهم شؤون حياتهم ومستقبلهم. ومن المهم جدّاً أن يكون الإعلامي المتخصص في قضايا الشباب مُدركاً لأوضاعهم وأن يضع نصب عينه المشاكل التي تحيط بهذا الجيل سواء ما يتعلق منها بالصحّة أو النمو أو الانفعالات أو المتصلة بمشكلات الأسرة والمدرسة والجامعة. ونظراً لتنوّع الأنشطة الشبابية وكثرة قضاياهم ومشاكلهم، فإنّ مجالات ممارسة الإعلام الموجه للشباب كثيرة ومتنوّعة وتتسم بتعدّد الأنشطة، فهناك الإعلام الموجه للطلاب مثل الإعلام المدرسي والإعلام الجامعي، وهناك إعلام موجه للشباب بشكل عام سواء المندمجين في المجتمع كموظفين أو عاطلين عن العمل. وهنا ينبغي على الإعلامي المتخصص أن يفهم الظروف التي يعيشها الشباب بمختلف نشاطاتهم، فيهتم بالطلاب والجامعيين إلى جانب اهتمامه بالفئة العاملة والفئة التي تجد صعوبة في الحصول على العمل، ويحاول أن يطرح المشكلات بموضوعية وواقعية، وأن يكون صلة وصل بين الحكومة والشباب وبين الأسرة والشباب فهو يلعب دور المربي والمرشد والموجه وعن طريقه يلتقي الشباب بكافة فئات المجتمع، وهو المتنفس الذي يستطيع من خلاله الشباب التعبير عن رأيهم وتقديم مطالبهم لباقي فئات المجتمع.

وقد يتوجه الإعلامي المتخصص بمادّته الإعلامية إلى الحوادث والجرائم، وهنا ينبغي الاهتمام بنشر أخبار الجرائم والقضايا المثيرة والحوادث التي تُعرض على المحاكم، ويجد هذا النوع قبولاً لدى الجمهور، لأنّه يتميز بالإثارة ويزيد من الاهتمام بتفاصيل الأحداث والجرائم، ودور الإعلامي المتخصص هنا هو أن يخصص مساحات شاسعة ومواضيع بارزة للقارئ حتى يساعده على فهم الواقعة أو الجريمة حيث أصبحت تغطية الجرائم من العناصر الأساسية في المواد الإعلامية، خاصّة وأنّ العديد من القنوات الفضائية والصُّحف والمجلات أصبحت تتهافت على نشر أخبار الحوادث بسبب الإقبال الشديد على متابعتها من قبل الجمهور، ويدخل في هذا النطاق القصص البوليسية الواقعية، وأفلام الرعب المقتبسة من الواقع.

وعلى الإعلامي المتخصص في هذا المجال أن يلم بأصول التغطية المتكاملة للجرائم وأن يكون قادراً على تناولها من جميع الجوانب مثل معرفة الجاني أو المتهم والمجني عليه ومكان وقوع الجريمة وزمن وقوعها ووقائعها وتفاصيل ومُلابسات وظروف الجريمة والدروس المستفادة، ويقدمها للجمهور دون زيادة أو نقصان لأن المجرم بريء حتى تثبت إدانته، فينبغي أن يكون حريصاً في نقل الصورة الصحيحة وأن يكون صادقاً في تحليلاته معتمداً على دلائل مادية ملموسة، وأن يكون معايشاً للواقع المتواجد في مسرح الأحداث أو مكان وقوع الجرائم، وهذا الأسلوب يتيح له الرؤية والتغطية الحية لمادة الجريمة من جهة أخرى.

ويجب أن يتميز بالحس والكفاءة العالية وأن يجمع بين الثقافة والحس الإعلامي والإدراك التام والإلمام بالمعلومات الأمنية والأمور القانونية، والحذر مطلوب هنا لأنّ الإعلامي في هذا التخصص معرض للخطر وبالتالي فهو بحاجة إلى ضمانات ضرورية تجنّباً للتعرض للمساءلة القانونية، فهو مطالب بتحري الدقّة والموضوعية والأمانة في جمع وعرض المعلومات واليقظة وسرعة البديهة والموضوعية والأمانة المهنية في جمع المعلومات وعرضها، وأن يكون قادراً على التحرّك السريع وتقصي الحقائق في مسرح الجريمة. وأن يكون مُلماً بمصادر معلوماته، كأقسام الشرطة وسجلات الوفيات وسجلات المستشفيات، والنيابة العامّة وجهات التحقيق، وسجلات المحاكم، وأن يجيد الحوار مع الخبراء الفنيين والأطباء الشرعيين، وأن يحاول جمع أقوال الشهود في مسرح الحادث أو الجريمة ويتقرّب من أسرة الجاني والمجني عليه لكي يكون في صلب الحدث.

وقد يتوجه الإعلامي المتخصص بمادّته الإعلامية إلى المجال الفني، ويتطلب هذا المجال دراية واسعة بأمور الفنون الجميلة من موسيقى وغناء وتمثيل ومسرح وسينما وفنون الرسم والفنون التشكيلية. كما يتطلب هذا المجال أيضاً أن يكون للإعلامي المتخصص علاقات جيِّدة مع الفنانين والممثلين والمغنيين، وعن طريق هذه العلاقات الجيِّدة يمكن أن يحقق السبق الصحفي كأن يعرف من الفنان مباشرة ألبومه الجديد أو خبراً من الأخبار الهامة في حياته الشخصية.

وقد يتوجه الإعلامي المتخصص بمادّته الإعلامية إلى المجال العلمي، فبالنظر إلى الحركة العلمية التي يعرفها العالم اليوم والنهضة التكنولوجية في جميع المجالات، فإنّ هذا المجال يكون هاماً بالنسبة للإعلامي المتخصص، فالجمع بين الإعلام والعلوم الأخرى هام جدّاً ولذلك أصبحنا نجد أنّ بعض الأطباء والمهندسين يعملون كإعلاميين، وليس شرطاً أن يتخرج الإعلامي من كلّية الإعلام، بل يمكن أن يتخرج من أي كلّية في أي مجال من مجال العلوم وينجح في اختراق الميدان الإعلامي بنجاح، وأصبحنا نرى أنّ هناك إعلاميين علميين يشغلون مناصب كبيرة في المؤسسات الإعلامية، وينبغي على الإعلامي أيضاً أن يواكب التطوّرات في الميدان العلمي ويطلع على جديد الاكتشافات العلمية والتكنولوجيا الحديثة في مجال العلوم والفضاء والطب والهندسة، وأن يكون واسع الثقافة ويجيد التحليل العلمي، ويوظّف ذلك في إطار إعلامي جاد وهادف.

 

المصدر: كتاب كيف تحقق النجاح في المجال الإعلامي

تعليقات

  • متابع

    سلمت الأنامل التي خطّت هذه الكلمات الراقية

  • 2022-12-25

    حمزة محمد موسى

    الحمدلله مشاءالله مذه مفيدة جدا لكل من يللتحق بها

ارسال التعليق

Top